الأم الصابرة
قال رجلٌ خرجت أنا و صديق لي إلى البادية فضللنا عن الطريق فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق فقصدناها ، فسلمنا فإذا بامرأة ترد علينا السلام قالت : من أنتم ؟
قلنا : ضالون فآتيناكم فاستأنسنا بكم فقالت يا هؤلاء انتظروا حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل يقول الرجل : فانتظرنا ، فألقت لنا مسحا و قالت اجلسوا عليه إلى أن يأتي ابني ، ثم جعلت ترفع طرف الخيمة و تردها إلى أن رفعته مرة فقالت
أسأل الله بركة المُقبل ، أما البعير بعير ابني ، و أما الراكب فليس هو قال الرجل : فوقف الراكب عليها و قال
يا أم عقيل عظم الله أجرك في عقيل ولدك فقالت : ويحك ، مات ؟
قال : نعم
قالت : و ما سبب موته ؟
قال : ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر فقالت : إنزل و اقض زمام القوم فنزل الرجل فدفعت المرأة إليه كبشا فذبحه و أصلحه و قرَّب إلينا الطعام ، فجعلنا نأكل و نتعجب من صبرها ، فلما فرغنا خرجت إلينا و قالت يا قوم هل فيكم من يحسن كلام الله شيئا ؟
قلت : نعم قالت : فاقرأ علي آيات أتعزى بها عن ولدي فقلت : يقول الله عزَّ و جَلَّ : { وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [1]قالت : بالله ، إنها لفي كتاب الله هكذا ؟
قلت : و الله إنها لفي كتاب الله هكذا فقالت : السلام عليكم ، ثم صفَّت قدميها و صلَّت ركعات ثم قالت اللهم إني قد فعلت ما أمرتني به فانجز لي ما وعدتني به و لو بقي أحد لأحد ـ قال فقلت لنفسي لبقي ابني لحاجتي إليه ـ فقالت : لبقي محمد ( صلى الله عليه وآله ) لأمته فخرجت و أنا أقول ما رأيت أكمل منها و لا أجزل ، ذكرت ربها بأكمل خصاله و أجمل جلاله ثم إنها لما علمت أن الموت لا مدفع له و لا محيص عنه و أن الجزع لا يجدي نفعا و البكاء لا يرد هالكا رجعت إلى الصبر الجميل ، و احتسبت ابنها عند الله ذخيرة نافعة ليوم الفقر و الفاقة ...
اللهم اعطنا الصبر والسلوان بحق محمد وأل محمد
مع التحيات